حياة المسلم مقرونة دائما بمواسم الخيرات والنفحات الربانية من حين لآخر ومن زمن لآخر فعندما يدور الزمان وتأتي الشهور التي خصها الله بعبادات معينة لها أجور مخصوصة تتحول أوقات المسلم إلى ذكر متصل وعمل صالح وسعى إلى نيل أعلى الدرجات.
وللأسرة المسلمة دور هام ومؤثر في تعظيم تلك الشعائر وتوقيرها في نفوس الأبناء وربط النشء بمحبتها وإنتظارها وفهم معناها والتماسها وهذه بعض الخطوات والأفكار العملية التي يمكن للأم بالتعاون مع الأب لربط الأبناء وإستفادتهم بالأيام العشر.
ومنها الحديث مع الأطفال بشأنها كتهيئة نفسية للأطفال ذاكرة قصيرة وضعيفة في الأمد القريب لكنها عندما تترسخ داخلها الأفكار لا يستطيع الزمن محوها مهما طالت السنون ولهذا يُطلب من الأم بشكل خاص والمعلمين بشكل عام عند تعليمهم للأطفال أن يكرروا كلماتهم كثيرا ويبتكروا أساليب جديدة لإنعاش ذاكرة الأطفال دومًا لتعزيز الأفكار داخلها ولهذا لا يجب أن تعتمد الأم على أن أبناءها قد سمعوا القصة سابقًا فينبغي أن تعيدها مرة بعد مرة بأساليب مختلفة حتى تثبت المعاني داخل نفوسهم.
والحديث مع الطفل هام جدًا ومفيد تربويًا في كل شأن وبالنسبة لهذه الأيام ينبغي على الأم أن تشرح لأبنائها أهمية هذه الأيام وتذكرهم بأنها أيام فرح وسعادة وطاعة لله وتعدهم إعدادًا نفسيًّا لإستقبال حدث جميل محبب وأيام فاضلة ترضي الله سبحانه.
¤ التذكير بتعاون الأسرة على الطاعة وربطها بقصة الفداء:
على الأم أن تربط بين طاعة الأسرة وتعاونها في هذه الأيام بقصة أسرة إبراهيم عليه السلام التي كانت أول أسرة كاملة موحدة في تاريخ البشرية تتعاون على الطاعة في مثل هذه الأيام، لذا وجب علينا الإقتداء بها في طاعة الله، فهذا إبراهيم الخليل عليه السلام مع ولده المطيع إسماعيل الذين إمتثلا لأمر الله ليذبح الأب فلذة كبده الذي إنتظره عقودًا طويلة.
وها هي الزوجة الصابرة والأم المحتسبة قد سلمت أمرها لخالقها في فقد وليدها الوحيد الذي تحملت الصعاب الكثيرة منذ ولادته، وهذا الإبن الذي هانت عليه نفسه فكان نعم الابن المطيع لأوامر ربه، فيقبل طواعية تنفيذ والده لذلك الأمر لعلمه وثقته انه على الصواب ولن يأمره ربه بمعصية مطلقًا.
فما أجمل أن تستثمر الأسرة هذه الأحداث في زرع الصلة القوية بالله والثقة به والتوكل عليه والتسليم لأوامره، فيتعلموا من خلالها قصة الفداء العظيم ومدى حرص المؤمن الحق على تلبية أوامر الله والإقبال عليها بكل ثبات ويقين حتى وإن ظهرت في بعض الأوقات صعبة على النفس إلا أن في مضمونها سعادة المؤمن الذي أطاع ربه.
وللقصة أهمية كبيرة في تشكيل وجدان الطفل وربطه بالدين، وقد كان كثير من سلفنا الصالح يرون أن الحكايات جندي من جنود الله تعالى يثبت الله بها قلوب أوليائه.
¤ تنمية وغرس حب الذكر في نفوس الأبناء:
تظهر الأم لأبنائها أن هذه العبادة على عظم أجرها إلا أنها من العبادات اليسيرة والتي لا تشترط تفرغًا تامًا لها، بل يرددها المرء في جميع حالاته ولكي تلفت نظر أبنائها لتلك العبادة البسيطة تحرص الأم على ترديد الذكر أمام الأبناء لتذكرهم به من حين لآخر ولكي تنبههم لفضيلة الذكر في تلك الأيام -كإعلان لتعظيم الله تعالى وشعائره- فترفع صوتها به أثناء عملها في المنزل أو إعداد الطعام أو إستذكار الدروس للصغار، والتكبير المشروع أن يكبر كل مسلم لنفسه منفردًا ويرفع صوته به حتى يسمعه الناس فيقتدوا به ويذكرهم به، وقد خص النبي صلى الله عليه وسلم العشر الأول من ذي الحجة بتلك الطاعة، قال صلى الله عليه وسلم: «فأكثروا فيهن من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير»، واللسان الحريص على ذكر الله في هذه الأيام لن ينساها فيمن سواها، فحضور القلب فيها والحرص عليها طيلة عشرة أيام تحدث نوعًا من العادة المحمودة التي بدورها تتحول إلى عبادة دائمة باللسان والقلب معًا، ويستمر إلى عصر آخر يوم من أيام التشريق.
¤ الصيام في أيام التسع:
بعد إنقضاء شهر رمضان وما تبعه بصيام ست من شوال، تأتي العشر من ذي الحجة لتعيد للأسرة المسلمة الجو الإيماني المتمثل في تجمعها وقتي السحور والإفطار اليومي لمدة تسعة أيام متتالية لمن قدره الله صيامها والفوز بها فيتجدد صوم الروح والبدن معًا، وقد حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على صيام هذه الأيام التسع فقد جاء في سنن أبي داود والنسائي وغيرهما عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر.
وحبذا لو دعمت الأم صيام صغارها بأي قدر خلال هذه الأيام بحسب طاقتهم حتى يشعروا أن لهذه الأيام ميزة عن كل أيام العام ولتحرص على إجتماعهم في وجبة الإفطار وكذلك السحور لو أمكنهم
يوم عرفة:
توضح الأم مدى قدر هذا اليوم عند الله فهو خير يوم طلعت فيه الشمس، تتجلى فيه قدرة الخالق وعظمته، ومدى خضوع العبد الذي تاق قلبه للقاء ربه والذهاب إلى بيته الحرام ليغسل ذنوبه وهمومه التي أثقلت كاهله سنين طوال، وصيام هذا اليوم يكون لمن لم يكتب له الله الحج -فلا مجال لمحروم- فينال الأجر العظيم بصيامه، فالكل يسعى إلى الله طامعين في مرضاته متذللين بين يدي رحمته، جاء في فضل هذا اليوم ما ورد في صحيح مسلم عنه أنه قال: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول ما أراد هؤلاء».
ومن المناسب جدًا أن تحرص الأم على جمع الأسرة كلها في عصر يوم عرفة ليشاهدوا المشهد الجليل مشهد الجموع التي تتضرع لله خاشعة، ويمكن أن يدعو أحد أفراد الأسرة بصوت مرتفع، ويؤمن الجميع على دعائه لينمو داخلهم تعظيم هذا المشهد العظيم، وليثبت هذا المشهد الأسري في ذاكراتهم.
¤ التذكير بأهمية التوبة إلى الله:
تركز الأم على تذكير أبنائها دومًا في هذه الأيام بأسلوب مبسط أهمية التوبة وأنها تجب الصغائر إذا التزم العبد التوبة الصادقة عما إقترفه من سيئات ومعاصي وتقصير في أداء الطاعة والعبادة فيجدد نيته ويخلصها لله عز وجل ويقبل على الله بقلب سليم راجيًا الله أن يتقبل توبته وإنابته، فيتعلم الأبناء معنى مجاهدة النفس والتوبة والحرص على إغتنام الأوقات في الأعمال الصالحة والبعد عن كل ما يغضب الله، إن للتوبة شروط ومن عدل الله عز وجل أن جعل شرطًا رابعًا يتعلق بحقوق العباد ليقبل توبة المذنب، فينشأ الطفل على الخوف من غضب الله كما يحرص على عدم ظلم أحد من البشر.
إن هذه الأيام الفاضلة أيام لا تعوض، وهي فرصة تربوية هائلة يمكن إستثمارها في رفع المستوى الإيماني للأسرة كلها وخصوصًا الأطفال الذين ينشئون على ما عودهم أهلوهم فلا يستوي من غرس في أبنائه تعظيم وتوقير شعائر الله مع من ترك لأبنائه الحبل على الغارب وكلكم راع ومسئول عن رعيته
الكاتب: سلوى المغربي.
المصدر: المنتدي الإسلامي العالمي للإسرة والمرأة.